مشاهد البيوت والمسجد والأبنية التي بقيت في قرية لفتا المهجرة قضاء مدينة القدس منذ عام 1948 ، لا زالت تحكي قصة ممزوجة بمشاعر الأسى لمن سكنوا هذه القرية ولعبوا في أزقتها وبين حاراتها ...
ولا بد للزائر إلى لفتا أن يتوقف مليا عند مبانيها التي تقص حكاية من عاش بهذا المكان وملأه حيوية ونشاط ... واليوم ورغم أن المكان قد خلا من سكانه ، إلا أنه ما زال يتسع لحنين من تركوا هذا المكان قصرا ، وهم يستنجدون لحماية ما تبقى من معالمه ... بانوراما تجولت في لفتا المهجرة ، في اطار زيارة بادر إليها منتدى " حراكنا " للتكافل المجتمعي والتطوع والقيادة الجماهيرية ، وبمشاركة مجموعة " انا من هذي المدينة " من مدينة الناصرة ، ومجموعة " اجيك " من عرعرة النقب الذين قاموا بأعمال تطوعية في المكان ، وإستطلعت آراء عدد من سكان القرية الأصليين الذين يرفضون أن تنكب قريتهم من جديد بهدم ما تبقى من بيوت فيها ..." مخطط عدواني تهويدي للقرية بتحويلها إلى مستعمرة استيطانية "
هذا هو يوسف أبو ليل من القدس من جمعية لفتا ، الذي إستهل حديثه بشرح عن موقع لفتا الجغرافي ، قائلا : " لفتا قرية فلسطينية احتلت عام 1948 ، تقع غربي شمالي مدينة القدس على ارتفاع
ومضى أبو ليل قائلا : " في تاريخ 29/12/2010 طرحت دائرة أراضي إسرائيل ، أراضي قرية لفتا للبيع في المزاد ، لبيع قسائم المخطط وعددها 212 وحدة سكنية في عشر مجموعات ، تقام 65 وحدة منها في نواة القرية و 142 في السفح الغربي الجنوبي ، وحسب المخطط فانه سيقام على القسيمة التي يقع عليها مسجد القرية ورقمها 216 مركز تجاري ، فيما صنف الموقع حيث تقع المقبرة كمنطقة عامة ، إضافة إلى إقامة فندق استجمام ومركز تجاري ونواة لمتحف على 455 دونما من أراضي لفتا ، ويبقي المخطط على 50 مبنى من مباني القرية وسيدمر ما سواها ، فيما سيقوم بترميم المباني التي ستبقى ويقرر مصيرها المقاول وصاحب القسيمة ، على عكس ما هو متوقع في العادة إذ يتعهد المخطط بترميمها وحمايتها ". وخلص أبو ليل إلى القول : " في تاريخ 3 آذار من العام الجاري ، اعترض أهالي لفتا وجمعياتهم في الوطن والشتات على المس بقريتهم وعلى أرضها ومبانيها بأي صورة كانت ، وذلك ضمن اعتراض عام وقّعت عليه أيضا جمعية جفرا وجمعيات يهودية وأفراد اعتباريين ، ولاحقا في 7 آذار من العام الجاري ، أصدرت المحكمة الإسرائيلية للشؤون الإدارية قرارا بوقف إعلان نتائج المزاد والعمل لحين صدور قرار آخر ، وقد قررت المحكمة المركزية تحديد عقد جلسة للنظر في الاعتراض على المخطط ، ويرى أهالي لفتا في " مخطط 6036 " مخططا سياسيا عدوانيا تهويديا للقرية بتحويلها إلى مستعمرة استيطانية ، مما سيصادر هويتها ويغير ملامحها الفلسطينية ".
" نؤكد على تمسكنا بحقنا بقريتنا وبشجرها وحجرها وهوائها ونبعها"
من جانبها ، تقول الحاجة نعمة إبراهيم من القدس البالغة من العمر 50 سنة " أنها كلما زارت قرية لفتا التي هي بالأساس موطن زوجها ، تشعر بالحسرة والضيق ". وتابعت إبراهيم بعد ان تنهدت طويلا ، قائلة :"عندما آتي إلى لفتا وأرى معالمها التي ما زالت حية وما زالت تنبض رغم الظروف القاسية أشعر بضيق ، وتكاد الحسرة تقتلني ، فنحن لا نبعد كثيرا عن أرضنا وبيوتنا لكن ليس بمقدورنا العودة إليها وزراعتها، لكننا لن نرضخ ولن نستلم لمخططاتهم ، ونحن نؤكد على تمسكنا بحقنا في أرضنا وبيوتنا وتراثنا المعماري الأثري والتاريخي على ارض قريتنا ، لتبقى شاهدة على نكبة فلسطين ، كما نؤكد على تمسكنا بحقنا في الحفاظ على مسجدنا وقبور آبائنا وأجدادنا ، ونؤكد على تمسكنا بحقنا في قريتنا وبشجرها وحجرها وهوائها ونبعها الذي ارتوينا من مائه ".
وأنهت إبراهيم حديثها قائلة : " نحن ندعو المجتمع الدولي ، وحكومات العالم وهيئة الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان للعمل على وقف سياسات اسرائيل الهادفة إلى طمس الهوية والتاريخ الفلسطيني ".
" يحاولون طمس معالم بلدتنا التي تعتبر أجمل القرى بقضاء القدس "
أما الحاج إبراهيم عبيدي ( 74 عاما ) ، فقال بعد أن سألناه ماذا تعني له لفتا ، وقد تنهد قليلا ونظر إلى ما تبقى من مبان فيها : " لقد ولدت في هذه الأرض وترعرعت في هذا المكان الذي في سبيله ضحى الشهداء بدمائهم ، وأنا أتساءل أي قانون وأي عدالة تحرمني من ذكرياتي وطفولتي ومن أحلامنا ؟ ، فانا شاهد على المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق أبناء قريتي ، وعندما كان عمري 14 سنة حضر 3 أشخاص يهود وقاموا بإطلاق الرصاص على مواطني لفتا الأبرياء الذين تواجدوا حينها في مقهى البلدة ، وقد استشهد آنذاك 5 أشخاص ، ولاحقا وردتنا معلومات ان اليهود يريدون الدخول الى القرية ، ونتيجة للخوف الذي تملك آباءنا خرجنا من القرية نحو بيت اكسا ومن ثم إلى رام الله ". واضاف الحاج عبيدي : " لقد خرجنا من قريتنا بعد أحداث دير ياسين والألم يعتصر قلوبنا والدموع تنهمر من مآقي النساء ، واليوم ليس بإمكاننا العودة إلى بيوتنا ، وهم يحاولون طمس معالم وجمال بلدتنا التي تعتبر أجمل القرى بقضاء القدس ، وأنا عندما أزور بلدتي أستجمع ذكريات طفولتي حيث كنا نلعب بالقرب من النبعة التي يحضر اليوم اليهود للاستحمام بها ، وأنا اشمئز عندما أراهم في ارضي وقريتي ، فنحن اليوم نناضل في سبيل إفشال مخطط إقامة الوحدات السكنية في هذا المكان ، ونأمل ان يكون قرار المحكمة لصالحنا ، وبأن ترمم هذه البيوت وأن تتم المحافظة على جمالية القرية وجمالها وطبيعتها ، فلا نريد أن تزول معالم بلدتنا ، بل نريدها ان تبقى ، والطبيعة التي تحيط بلفتا شاهدة على الكثير من الأحداث على مدار عقود طويلة ، ومعالم لفتا التي تضم المسجد ، المقبرة ، المدرسة ، والأراضي وعين ماء لفتا يجب ان تبقى حية ويجب ان تتناقل قصة وتاريخ لفتا للأجيال القادمة ، وأنا لا يمكنني تخيل إمكانية هدم مسجد القرية وسائر معالمها ، لذا نطلب مساعدتنا بمنع تنفيذ هذا المخطط ".
" رغم اننا هجّرنا من لفتا عام 1948 إلا أن الحنين والشوق ما زال يشدنا اليها "
من ناحيتها ، قالت الحاجة زهية صالح جودي ( 75 سنة) وهي تشير بيدها إلى نبع الماء في القرية : " لقد كنت أنا وفتيات قرية لفتا نأتي إلى هذا النبع لتعبئة الماء بالجرار يوميا ، ومن ثم كنا نعود به إلى بيوتنا ، وكنا نلعب في محيط بيوتنا ، بينما كان الأولاد يخرجون إلى الجبال المحيطة ويتجولون بها ، فقد كانت الحياة في لفتا رائعة ، وكنا نأكل التين ونزرع البندورة والخضروات ، وكان رجال القرية بغالبيتهم يعملون في دق الحجر ، وعندما خرجنا من لفتا كان عمري 8 سنوات ، وأنا اليوم اسكن في التلة الفرنسية لكني آتي كثيرا إلى لفتا وأقضي بها أوقاتا ممتعة ، وأنا لن اتردد بأن أبيع كل ما املك مقابل العودة الى بيتي في لفتا ، لأعيش به بقية حياتي ". وتابعت جودي قائلة: " لقد هجّرنا من بيوتنا عام 48 ، وقد مر على ذلك أكثر من 60 عاما ، لكن الحنين والشوق ما زال يشدنا الى قريتنا ، وأنا لن احتمل مشاهدة معالم بيتي وقريتي تهدم امامي ، وبان يتم مكانها بناء وحدات سكنية او متنزهات ، فنحن نريد ان تبقى معالم لفتا حية لكي ننقل للأجيال القادمة حقنا بالعودة اليها ".
" سلسلة جولات وفعاليات لرفع الوعي حول القضايا السياسية والمجتمعية"
جيهان صيفي من عكا مديرة منتدى حراكنا أدلت هي الأخرى بدلوها قائلة : " لقد تم تنظيم هذه الجولة إلى لفتا ضمن سلسلة الجولات والبرامج والفعاليات التي تقام للشباب والصبايا لرفع الوعي حول القضايا السياسية والمجتمعية التي نعيش بها ، ولتعزيز قيم التطوع وخدمة للمجتمع ". وإسترسلت صيفي قائلة : " نحن نهدف من هذه الجولة إلى التعريف وعرض الظروف والمخاطر التي تهدد قرية لفتا ، حيث تعتبر قضية لفتا ضمن سلسلة القضايا الجوهرية الأخرى مثل قضايا سلوان ، قرية العراقيب وغيرها من القضايا التي هي ضمن أهدافنا ومنها زيادة الانتماء إلى الأرض والوطن ، والتأكيد على أننا لم ولن نتنازل عن أرضنا". وأضافت صيفي قائلة : " من خلال مثل هذه الجولات نوفر إمكانية للتواصل ولعقد لقاءات اجتماعية مع مشاركين من عرعرة النقب والناصرة ونسعى إلى توفير شبكة اجتماعية بين فلسطينيي الداخل ، فلدى شبابنا طاقات كبيرة وقدرات عالية وإرادة للتغيير المجتمعي ، ونرى أن لدى شبابنا حسا وطنيا وانتماء ، ولاحظنا ان الغالبية المشاركة في مسيرات يوم الارض الاخير هي من الشباب ، كما ان الثورات العربية أثرت علينا ، ومنتدى حراكنا هو منتدى قطري يعمل من اقصى الشمال الى الجنوب ، ونسعى من خلال نشاطاتنا ونطمح إلى الوصول الى الضفة الغربية وقطاع غزة لتعزيز التواصل بين ابناء الشعب الواحد ".
شكرا لك واتمنى الك المزيد من المشاركات المميزة
השבמחקموثق جدة